سورة البقرة - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61)} [البقرة: 2/ 61].
وهدّد اللّه بني إسرائيل برفع جبل الطور فوقهم كأنه ظلّة تخويفا وإرهابا، حينما لم يؤمنوا بالتوراة ورفضوا العمل بها، فقبلوا ذلك إلى حين، ثم أعرضوا بعد ذلك عن التوراة ونبذوها وراء ظهورهم. وكانوا يعظّمون يوم السبت، فلا يعملون أي عمل فيه، فاحتالوا على ذلك بحيلة مفضوحة وهي بناء حواجز وأحواض تمنع ردّ السمك إلى الماء في حال الجزر، بعد أن كان السمك يأتي كثيرا يوم السبت قرب الساحل في أثناء المدّ البحري، وكان لا يأتيهم السمك في غير يوم السبت، فارتكبوا خطيئة الصيد يوم السبت بالحيلة المذكورة، فحكم اللّه عليهم أن يكونوا كالقردة مبعدين عن رحمة اللّه والناس لأنهم لم يحترموا العهد ولم يلتزموا الطاعة، وتخلوا عن شرف الإنسانية والكرامة وعزة النفس، قال اللّه تعالى:


{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)} [البقرة: 2/ 62- 66].
الأمر بذبح البقرة:
اختبر اللّه تعالى بني إسرائيل بأمرهم بذبح بقرة، ليظهر مدى مصداقيتهم وامتثالهم أوامر اللّه تعالى، وذلك بسبب قتل رجل عمه الذي كان ابن الأخ الوارث الوحيد له، ومن أجل التعرف على القاتل، بدلا من اقتتال بعضهم مع بعض، وكان يجزئهم ذبح أي بقرة، إلا أنهم تشدّدوا في بيان أوصاف البقرة، فشدّد اللّه عليهم، بعد أن اشتروها بملء جلدها ذهبا، فذبحوها متردّدين، ثم ضربوا القتيل ببعضها، فعاش حيّا، فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا، لابن أخيه، ثم عاد ميتا، فلم يعط من ماله شيئا، لأنه قاتل، وصار ذلك حكما دائما. وهذه هي قصة ذبح البقرة.


{وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)} [البقرة: 2/ 67- 74].
واذكروا أيها الإسرائيليون وقت قول موسى لقومه أسلافكم أمر اللّه لكم بذبح أي بقرة، فلم يمتثلوا، وشدّدوا، فشدّد اللّه عليهم، وقالوا: أتهزأ أو تسخر منا يا موسى؟ نسألك عن أمر القتل، فتأمرنا بذبح بقرة! قال: ألتجئ إلى اللّه من الهزء والسخرية بالناس في موضع الجد وتبليغ أحكام اللّه تعالى، فأكون من الجهلة المفرطين بأمر اللّه.- قالوا: ادع اللّه لنا لبيان لونها فقال: إنها بقرة صفراء اللون، شديدة الصفرة، تبهج الناظرين إليها. فسألوه عن سنّها، فقال: إنها ليست صغيرة ولا كبيرة، بل وسط بين الأمرين، فامتثلوا الأمر ولا تشددوا، قالوا: ادع اللّه لنا يبين حقيقتها ومزاياها، لتشابه البقر علينا، وإنا إن شاء اللّه لمهتدون إلى الصواب والمطلوب.
قال: إن اللّه يقول: إنها بقرة لم تذلل بالعمل في الحراثة والسّقي، وهي سالمة من العيوب، لا يخالطها لون آخر غير الصفرة، قالوا: إنك الآن جئت بإظهار الحقيقة الواضحة، فطلبوها، فلم يجدوها إلا عند يتيم صغير بارّ بأمه، فساوموه، فتغالى، حتى اشتروها بملء جلدها ذهبا، وما كان امتثالهم قريب الحصول.
واذكروا أيها اليهود المعاصرون حين قتل أسلافكم نفسا، وأنتم تنتسبون إليهم، راضون بفعلهم، وأسند القتل للأمة والقاتل واحد، لتضامن الأمة، وهي في مجموعها كالشخص الواحد، فيؤخذ المجموع بجريرة الواحد. وفيه توبيخ ولوم. وكنتم تتخاصمون وتتدافعون في شأن القتل، فكل واحد يدرأ القتل عن نفسه، ويدّعي البراءة، ويتّهم سواه، واللّه مظهر حتما ما كنتم تكتمونه وتسترونه من أمر القتل.
فقلنا لكم: اضربوا القتيل ببعض أجزاء البقرة المذبوحة، فضربوه، فأحياه اللّه، وأخبر عن القتلة، ومثل ذلك الإحياء العجيب، يحيي الموتى يوم القيامة، فيجازي كل إنسان بعمله، وكذلك يريكم اللّه آياته الواضحة الدّالة على صدق القرآن والنّبي، الذي يخبر بالغيبيات، لكي تعقلوا وتؤمنوا بالله ورسوله.
ثم قست قلوبكم وامتنعت عن قبول الحق، فهي تشبه الحجارة في الصلابة، بل هي أشد قسوة منها، لأن بعض الحجارة قد يتفجر الماء منه، ويسيل أنهارا تحيي الأرض وتنفع النبات، وقد يتشقق بعضها، فيسيل منها ماء، يكون عينا لا نهرا، وفي هذه منفعة للناس، وقد يتساقط بعضها من أعالي الجبال، بالرياح الشديدة ونحوها من الزلازل، فتكسر الصخور، وتدمّر الحصون، وليس في هذا منفعة للناس.
ولكن لم يزدد اليهود إلا عنادا وفسادا، واللّه تعالى حافظ لأعمالهم ومحصيها لهم، ثم يجازيهم بها، ولا يغفل عن شيء منها، صغيرا كان أو كبيرا.
تناقضات اليهود وأكاذيبهم:
لا خير ولا أمل في قوم متناقضين يفترون على اللّه الكذب، ويحرّفون كلام اللّه ويغيّرونه ويبدّلونه على وفق أهوائهم وشهواتهم، لذا استبعد اللّه الخير والإيمان من اليهود برسالة محمد صلّى اللّه عليه وسلم، فقد كان منافقوهم حين يتقابلون مع المؤمنين يقولون: نحن مؤمنون بالله والنّبي محمد، إذ هو المبشّر به عندنا فنحن معكم، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: كيف تحدّثون أتباع محمد بما أنزل اللّه عليكم في التوراة؟ كيف تفعلون هذا فيحتجّون به عليكم، ويخاصمونكم به عند ربّكم يوم القيامة؟ أتذيعون أسراركم فهذا خطأ وضرر؟
فيردّ اللّه عليهم أيحسبون أن هذا سرّ لا يطّلع عليه أحد؟ أو لا يعلمون أن اللّه سبحانه يعلم السّر وأخفى، ويعلم ما يقولون، سواء أضمروا الحقائق أم أعلنوها؟
وسيجازيهم على ذلك كله. هذا موقف علماء اليهود وأحبارهم، أما الأمّيون فلا يعرفون عن دينهم إلا أكاذيب سمعوها ولم يعقلوها مثل الزعم القائل بأنهم شعب اللّه المختار وأن الأنبياء منهم يشفعون لهم، وأن النار لا تمسهم إلا أياما قليلة.
قال مجاهد: قام النّبي صلّى اللّه عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال: يا إخوان القردة، ويا إخوان الخنازير، ويا عبدة الطاغوت، فقالوا: من أخبر بهذا محمدا، ما خرج هذا إلا منكم، أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم ليكون لهم حجة عليكم، فنزلت الآية:

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9